فصل: (الرَّابِعُ: الرُّكُوعُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ):[أقسام أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا]:

تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَلَا جَهْلًا:
وَهِيَ: الْأَرْكَانُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا، فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ. وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.
الثَّانِي: مَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا، وَيَسْقُطُ سَهْوًا، وَجَهْلًا، وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ:
وَسَمَّوْهُ وَاجِبًا اصْطِلَاحًا.
الثَّالِثُ: مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ وَلَوْ عَمْدًا:
وَهُوَ السُّنَنُ.

.[أَرْكَانُ الصَّلَاةِ]:

(أَرْكَانُ صَلَاةٍ، وَتُسَمَّى فُرُوضًا مَا كَانَ فِيهَا) احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ، (وَلَا تَسْقُطَ عَمْدًا)، خَرَجَ السُّنَنُ، (أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا)، خَرَجَ الْوَاجِبَاتُ (وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ)، رُكْنًا بِالِاسْتِقْرَاءِ:

.[الأولُ: قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ]:

(أَحَدُهَا: قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ) وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} , وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا. إلَى آخِرِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَخُصَّ بِالْفَرْضِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا». الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَالْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ)، أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، (سِوَى خَائِفٍ بِهِ)، أَيْ: بِالْقِيَامِ، كَمَنْ بِمَكَانٍ لَهُ حَائِطٌ يَسْتُرُهُ جَالِسًا لَا قَائِمًا، وَيَخَافُ بِقِيَامِهِ لِصًّا أَوْ عَدُوًّا، فَيُصَلِّي جَالِسًا لِلْعُذْرِ، (وَ) سِوَى (عُرْيَانٍ) لَا يَجِدُ سُتْرَةً؛ فَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا، وَيَنْضَمُّ (وَ) سِوَى مَرِيضٍ يُمْكِنُهُ قِيَامٌ، لَكِنْ لَا تُمْكِنُهُ مُدَاوَاتُهُ قَائِمًا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ (لِمُدَاوَاةٍ)، وَيُصَلِّي جَالِسًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
(وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ قِيَامٍ مَعَ (قِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنْ خُرُوجٍ) لِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، بِمَكَانٍ قَصِيرِ السَّقْفِ.
(وَ) كَذَا يُصَلِّي جَالِسًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ (خَلْفَ إمَامٍ حَيٍّ) أَيْ: رَاتِبٍ، (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ (بِشَرْطِهِ)، وَهُوَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ. (وَحَدُّ قِيَامٍ: مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا)، أَيْ: أَنْ لَا يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ، (فَلَا يَضُرُّ) فِي الْقِيَامِ (خَفْضُ رَأْسٍ) عَلَى هَيْئَةِ الْإِطْرَاقِ (وَانْحِنَاءٌ قَلِيلًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى قَائِمًا. (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ كُرِهَ، وَأَجْزَأَ) ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. (وَالرُّكْنُ مِنْهُ) أَيْ: الْقِيَامِ، (الِانْتِصَابُ بِقَدْرِ تَكْبِيرِ إحْرَامٍ، وَقِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَفِيمَا بَعْدَهَا بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَبَدَلِهَا مِنْ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِهَا. (وَقُعُودُ)، أَوْ اضْطِجَاعُ (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ، أَوْ عَنْهُ وَعَنْ الْقُعُودِ رُكْنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقِيَامِ.
(وَ) كَذَلِكَ الْقُعُودُ لِـ (مُتَنَفِّلٍ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ) لِقِيَامِ الْقُعُودِ مَقَامَ الرُّكْنِ. وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، فَالرُّكْنُ مِنْ الْقِيَامِ بِقَدْرِ التَّحْرِيمَةِ.

.[الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ الْإحْرَامِ]:

وَ(الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَسَدِّدُوا الْفُرَجَ، وَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». (وَمَرَّ) ذِكْرُ (شُرُوطِهَا) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِشَرْطٍ بَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ: «إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.

.[الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا]:

وَ(الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَوْ) قِرَاءَةُ (مَا قَامَ مَقَامَهَا) مِنْ الذِّكْرِ (لِعَاجِزٍ عَنْهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِإِمَامٍ، وَمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ لِلْخَبَرِ.
قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً، احْتِرَازًا عَنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ. وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنْ اسْتَثْنَاهُ، نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى.
وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وَالْأَخْبَارِ خِلَافُهُ، لِلْمَشَقَّةِ.

.[الرَّابِعُ: الرُّكُوعُ]:

(الرَّابِعُ: الرُّكُوعُ) (وَهُوَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ) الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}، وَحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ؛ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رَوَاه الْجَمَاعَةُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فِي الْحَدِيثِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، فَإِنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ، لَسَقَطَتْ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ لِجَهْلِهِ بِهَا.

.[الْخَامِسُ: الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعُ]:

وَ(الْخَامِسُ: الرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الرُّكُوعِ لِلْخَبَرِ، (لَا مَا)، أَيْ: رُكُوعًا (بَعْدَ) رُكُوعٍ، (أَوَّلٍ مِنْهُمَا)، أَيْ: مِنْ الرُّكُوعَيْنِ (فِي صَلَاةِ كُسُوفٍ)، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: لَا مَا بَعْدَ إلَى آخِرِهِ، حَتَّى يَذْكُرُ الِاعْتِدَالَ، لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الرَّفْعَ، وَالِاعْتِدَالَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رُكْنٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَيْضًا، وَغَيْرُهُ سُنَّةٌ. (وَإِذَا رَفَعَ) مِنْ الرُّكُوعِ، (وَشَكَّ: هَلْ أَتَى مِنْهُ بِقَدْرِ إجْزَاءِ، أَمْ لَا؟ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ،) لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.

.[السَّادِسُ: الِاعْتِدَالُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الرُّكْنِ]:

وَ(السَّادِسُ: الِاعْتِدَالُ) بَعْدَ الرُّكُوعِ الرُّكْنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا». (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ: الِاعْتِدَالِ (عَوْدُهُ)، أَيْ: الْمُصَلِّي (لِهَيْئَتِهِ الْمُجْزِئَةَ) أَيْ: الَّتِي تُجْزِئُهُ مِنْ الْقِيَامِ (قَبْلَ رُكُوعٍ) فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ مُنْحَنِيًا يَسِيرًا حَالَ اعْتِدَالِهِ، وَاطْمِئْنَانِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَائِمًا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا، وَالْكَمَالُ مِنْهُ الِاسْتِقَامَةُ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَحَلِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِطُولِ اعْتِدَالٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ الْأَنْمَاطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُطِيلُ الِاعْتِدَالَ، وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَّلَهُ قَرِيبَ قِيَامِهِ، وَرُكُوعِهِ». (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ بِطُولِهِ)، أَيْ: الْقِيَامِ (نَحْوُ قُرْبِ قِيَامِهِ)، أَيْ: وَرُكُوعِهِ فَقَطْ، (لَا مُطْلَقًا)، أَيْ: فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَدْخَلَ فِي الْإِقْنَاعِ الرَّفْعَ فِي الِاعْتِدَالِ) لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ.

.[السَّابِعُ: السُّجُودُ]:

(السَّابِعُ: السُّجُودُ) إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ:
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْجُدُوا} لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَرَّ أَكْمَلُهُ، وَأَقَلُّهُ، مَعَ ذِكْرِ رُكُوعٍ) فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ.

.[الثَّامِنُ: الرَّفْعُ مِنَ السُّجُودِ]:

وَ(الثَّامِنُ: الرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ: السُّجُودِ.

.[التَّاسِعُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]:

وَ(التَّاسِعُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: {ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا}. (وَشُرِطَ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهُ) فَلَوْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ أَوْ رَفَعَ خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ.
وَ(لَا) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَقْصِدَهُ)، أَيْ: الْمَذْكُورَ، مِنْ نَحْوِ رُكُوعٍ إلَى آخِرِهِ، (اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَصْحَبِ حُكْمُهَا) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ ذَلِكَ وُجُوبًا.

.[الْعَاشِرُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ]:

وَ(الْعَاشِرُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) مِنْ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ؛ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَهِيَ) أَيْ: الطُّمَأْنِينَةُ: (السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا، وَطُمَأْنِينَةً، أَيْ: سَكَنَ. (وَمَا فِيهِ) ذِكْرٌ (وَاجِبٌ) وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَنْ هَذَا السُّكُونِ، كَذِكْرٍ وَاجِبٍ مِنْ عَالِمِ ذَلِكَ، فَوَاجِبٌ. وَلَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ، كَمَا لَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا، أَوْ مَعَ مَسْنُونٍ. (فـَ) الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ (بِقَدْرِ إتْيَانِهِ) بِهِ (لِذَاكِرٍ) إذَا ذَكَرَهُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ لِذَاكِرِهِ، وَلِنَاسِيهِ بِقَدْرِ أَدْنَى سُكُونِهِ. وَكَذَا لِمَأْمُومٍ بَعْدَ انْتِصَابِهِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ فِيهِ.
قَالَ شَارِحُهُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَمْ أَجِدْهَا فِي الْفُرُوعِ وَلَا الْمُبْدِعِ وَلَا الْإِنْصَافِ وَلَا غَيْرِهَا، مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَخْتَلِفُ بِالذَّاكِرِ وَالنَّاسِي، بَلْ فِي كَلَامِ الْإِنْصَافِ مَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهُ حَكَى فِي الطُّمَأْنِينَةِ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هِيَ السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي: بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَهُوَ الْأَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ التَّحْمِيدَ فِي اعْتِدَالِهِ، وَسُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ فِي جُلُوسِهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعُجْمَةٍ أَوْ خَرَسٍ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، وَقُلْنَا هُوَ سُنَّةٌ، وَاطْمَأَنَّ قَدْرًا لَا يَتَّسِعُ لَهُ؛ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى الثَّانِي.

.[الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ]:

وَ(الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ) لِحَدِيثِ: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» الْخَبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِتَشَهُّدٍ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. (بَعْدَ) الْإِتْيَانِ بِـ (أَقَلِّ مُجْزِئٍ مِنْ) التَّشَهُّدِ (الْأَوَّلِ)، وَتَقَدَّمَ. (وَالرُّكْنُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

.[الثَّانِي عَشَرَ: الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ]:

وَ(الثَّانِي عَشَرَ: الْجُلُوسُ لَهُ) أَيْ: التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، (وَ) الْجُلُوسُ (لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ) لِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجُلُوسِ لِذَلِكَ وَقَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». (قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَإِنْ زَحَمَ) مُصَلٍّ (عَنْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، أَتَى بِهِ) أَيْ: بِالتَّشَهُّدِ (قَائِمًا، وَأَجْزَأَهُ) إتْيَانُهُ بِهِ قَائِمًا لِلْعَجْزِ، عَنْ الْقُعُودِ (وَيَتَّجِهُ): إنَّمَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ قَائِمًا، إنْ زَحَمَ (فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ)، لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي رُكْنٌ، بِخِلَافِهِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الرُّكْنِ، فَلَا يُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.[الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسْلِيمَتَانِ]:

و(الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسْلِيمَتَانِ) لِحَدِيثِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ صَلَاتَهُ بِالتَّسْلِيمِ»، وَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلِأَنَّهُمَا نُطْقٌ مَشْرُوعٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَكَانَ رُكْنًا كَالطَّرَفِ الْآخَرِ. (فَلَا يَخْرُجُ مِنْ) صَلَاةِ (فَرْضٍ) (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ نَذْرًا)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا بِهِمَا)، أَيْ: التَّسْلِيمَتَيْنِ، (سِوَى) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ)، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَشُكْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَأْتِي (وَيَخْرُجُ مِنْ نَفْلٍ بـِ) تَسْلِيمَةٍ (وَاحِدَةٍ، وَ) التَّسْلِيمَةُ (الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ)، وَيَأْتِي.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ، وَالنَّافِلَةِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى: أَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنَّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ.

.[الرَّابِعَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ]:

وَ(الرَّابِعَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ) (كَمَا ذَكَرْنَا) هُنَا، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا مُرَتَّبَةً، وَعَلَّمَهَا لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ مُرَتَّبًا بِثُمَّ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِيهَا رُكْنًا كَغَيْرِهِ. (فَمَنْ سَجَدَ مَثَلًا قَبْلَ رُكُوعٍ عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ (وَسَهْوًا يَرْجِعُ) وُجُوبًا، (لِيَرْكَعَ ثُمَّ يَسْجُدَ) لِيَأْتِيَ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى وَجْهِهِ.

.(فَرْعٌ): [اعتقاد سنية الأركان السابقة]:

لَوْ اعْتَقَدَ مُصَلٍّ هَذِهِ الْأَرْكَانَ) الْمَذْكُورَةَ (سُنَّةً)، وَأَدَّى الصَّلَاةَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، (أَوْ اعْتَقَدَ السُّنَّةَ فَرْضًا) فَصَحِيحَةٌ أَيْضًا (أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا) مَسْنُونًا، وَلَا وَاجِبًا، وَلَا غَيْرَهُ، (وَأَدَّاهَا عَالِمًا أَنْ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَ) صَلَاتُهُ (صَحِيحَةٌ) وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ مِنْ الرُّكْنِ، وَالْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَرَدُّ الْمَجْدُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الِائْتِمَامَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ نَفْلٌ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، مَعَ شِدَّةِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ الْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ، وَلِأَنَّ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ يُؤَثِّرُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ، لَا تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى يَعْتَقِدُ الصَّلَاةَ فَرِيضَةً يَأْتِي بِأَفْعَالٍ تَصِحُّ مِنْهَا بَعْضُهَا فَرْضٌ، وَبَعْضُهَا نَفْلٌ، وَهُوَ يَجْهَلُ مِنْ السُّنَّةِ، أَوْ يَعْتَقِدُ فَرْضًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَيَتَّجِهُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ)، أَيْ: قِيَاسِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، (نَحْوَ وُضُوءٍ): كَغُسْلٍ، وَتَيَمُّمٍ، وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، فَعَلَهَا مُعْتَقِدًا أَرْكَانَهَا فُرُوضًا، أَوْ سُنَنًا أَوْ فَعَلَهَا، وَلَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا، فَعِبَادَتُهُ صَحِيحَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، اكْتِفَاءً بِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ]:

(وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ، وَأَفْعَالِهَا (وَاجِبَاتُهَا): وَهِيَ: (مَا كَانَ فِيهَا) خَرَجَ الشُّرُوطُ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَرْكِهَا عَمْدًا) خَرَجَ السُّنَنُ. (وَتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا) خَرَجَ الْأَرْكَانُ. (وَيَجِبُ السُّجُودُ لِذَلِكَ)، أَيْ: لِتَرْكِهَا. (وَهِيَ) ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ: (تَكْبِيرٌ بَعْدَ إحْرَامٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَرَكَعَ، فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ، فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا» رَوَاه أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَهَذَا أَمْرٌ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. (سِوَى تَكْبِيرَةِ رُكُوعٍ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا)، فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ، ثُمَّ رَكَعَ مَعَهُ، فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ، وَتَكْبِيرَةِ (الرُّكُوعِ سُنَّةٌ)، لِلِاجْتِزَاءِ عَنْهَا بِتَكْبِيرَةٍ الْإِحْرَامِ. (فَإِنْ نَوَاهَا)، أَيْ: تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ (مَعَ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ.
(وَ) الثَّانِي: (تَسْمِيعٌ)، أَيْ: قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ لَا لِمَأْمُومٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْتِي بِهِ، وَقَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
(وَ) الثَّالِثُ (تَحْمِيدٌ)، أَيْ: قَوْلُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، لِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَمُنْفَرِدٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».
(وَ) الرَّابِعُ: (تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي رُكُوعٍ) (وَ) الْخَامِسُ: تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي (سُجُودٍ)، وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ.
(وَ) السَّادِسُ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي) إذَا جَلَسَ (بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) مَرَّةً (لِلْكُلِّ)، أَيْ: الْإِمَام وَالْمَأْمُومِ، وَالْمُنْفَرِدِ، لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». (وَمَحَلُّ تَكْبِيرِ) الِانْتِقَالِ، وَالتَّسْمِيعِ وَكَذَا، التَّحْمِيدُ لِمَأْمُومٍ (بَيْنَ ابْتِدَاءِ انْتِقَالٍ وَانْتِهَائِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ، فَاخْتَصَّ بِهِ. (فَلَوْ) كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّهِ، وَإِنْ (شَرَعَ فِيهِ)، أَيْ: الْمَذْكُورِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الِانْتِقَالِ، بِأَنْ كَبَّرَ لِسُجُودٍ قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَيْهِ، أَوْ سَمَّعَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ، (أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ) انْتِهَائِهِ، كَأَنْ أَتَمَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ، (لَمْ يُجْزِئُهُ)؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ. وَكَذَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا تَحْمِيدُ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ هَوِيِّهِ مِنْهُ، (كَتَكْمِيلِهِ وَاجِبَ قِرَاءَةٍ رَاكِعًا، أَوْ شُرُوعِهِ فِي تَشَهُّدٍ قَبْلَ قُعُودٍ) لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْأَخِيرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَ) السَّابِعُ: (تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ) لِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ بِهِ. وَسُجُودِهِ لِلسَّهْوِ حِينَ نَسِيَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، لِسُقُوطِهَا بِالسَّهْوِ، وَانْجِبَارِهَا بِالسُّجُودِ، كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ (وَ) الثَّامِنُ (جُلُوسٌ لَهُ)، أَيْ: لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (عَلَى غَيْرِ مَنْ قَامَ إمَامُهُ سَهْوًا، وَلَمْ يُنَبَّهْ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فَيُتَابِعُهُ وُجُوبًا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (وَالْمُجْزِئُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ. (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا لِشَكٍّ فِي وُجُوبِهِ)، بِأَنْ تَرَدَّدَ: أَوَاجِبٌ أَوْ لَا؟ (لَمْ يَسْقُطْ) وُجُوبُهُ، (وَأَعَادَ، لِأَنَّهُ بِتَرَدُّدِهِ فِي وُجُوبِهِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ احْتِيَاطًا) كَمَنْ تَرَدَّدَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَلَمْ يَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ (بِخِلَافِ مَنْ جَهِلَهُ)، أَيْ: جَهِلَ حُكْمَهُ، بِأَنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّ عَالِمًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، فَهُوَ كَالسَّاهِي، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَبْلَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ.

.[سُنَنُ الصَّلَاةُ]:

(فَصْلٌ) (وَ) الثَّالِثُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ، وَأَفْعَالِهَا: (سُنَنُهَا)، وَهِيَ: (مَا كَانَ فِيهَا مِمَّا سِوَى رُكْنٍ، وَوَاجِبٍ وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِتَرْكِهَا وَلَوْ عَمْدًا) بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ. (وَيُبَاحُ سُجُودٌ لِسَهْوِهِ)، أَيْ: تَرْكِهِ سَهْوًا، فَلَا يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ. (وَهِيَ)، أَيْ: السُّنَنُ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: (قَوْلِيَّةٌ: كَاسْتِفْتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، (وَقِرَاءَةِ بَسْمَلَةٍ) فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَكُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (وَ) قِرَاءَةِ (سُورَةٍ فِي نَحْوِ فَجْرٍ وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ، وَرُبَاعِيَّةٍ، وَكُلِّ تَطَوُّعٍ وَتَأْمِينٍ، وَقَوْلِ: مِلْءُ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ، بَعْدَ تَحْمِيدٍ لِغَيْرِ مَأْمُومٍ) وَأَمَّا الْمَأْمُومُ، فَلَا يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. (وَمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي تَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، (وَ) مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي (سُؤَالِ مَغْفِرَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، (وَدُعَاءٍ فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَقُنُوتٍ) فِي (وِتْرٍ، وَمَا زَادَ عَلَى مُجْزِئٍ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، أَوْ أَخِيرٍ) (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: (فِعْلِيَّةٌ، وَتُسَمَّى) هَذِهِ السُّنَنُ: (هَيْئَةً)، لِأَنَّ الْهَيْئَةَ صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا (كَجَهْرٍ) فِي مَحَلِّهِ (وَإِخْفَاتٍ وَتَرْتِيلِ قِرَاءَةٍ، وَتَخْفِيفِ صَلَاةِ) الْإِمَامِ، لِلْخَبَرِ (وَتَطْوِيلِ) الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (وَتَقْصِيرِ) الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، (وَرَفْعِ يَدَيْنِ وَكَوْنِهِمَا مَكْشُوفَتَيْنِ)، مَبْسُوطَتَيْنِ، (مَضْمُومَتَيْ أَصَابِعَ)، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ بِبُطُونِهِمَا إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ (عِنْدَ إحْرَامٍ وَ) عِنْدَ (رُكُوعٍ وَ) عِنْدَ (رَفْعٍ مِنْهُ)، أَيْ: الرُّكُوعِ (وَحَطِّهِمَا)، أَيْ: الْيَدَيْنِ (بَعْدَ ذَلِكَ)، أَيْ: عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِحْرَامِ، أَوْ الرُّكُوعِ، أَوْ الرَّفْعِ مِنْهُ. (وَوَضْعِ يَمِينٍ عَلَى شِمَالٍ تَحْتَ سُرَّةٍ، وَنَظَرٍ لِمَوْضِعِ سُجُودٍ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ خَوْفٍ، (وَقَبْضِ رُكْبَتَيْنِ بِيَدَيْنِ مُفَرَّجَتَيْ أَصَابِعَ) فِي رُكُوعٍ، (وَمَدِّ ظَهْرٍ) مُسْتَوِيًا، (وَجَعْلِ رَأْسٍ حِيَالَهُ)، فَلَا يَخْفِضُهُ، وَلَا يَرْفَعُهُ. (وَمُجَافَاةِ عَضُدَيْنِ) فِي رُكُوعٍ (عَنْ جَنْبَيْنِ، وَبُدَاءَةٍ بِوَضْعِ رُكْبَتَيْنِ فَيَدَيْنِ، فَجَبْهَةٍ فَأَنْفٍ، وَتَمْكِينِ جَبْهَةٍ وَأَنْفٍ مِنْ مَحَلِّ سُجُودٍ، وَمُجَافَاةِ عَضُدَيْنِ عَنْ جَنْبَيْنِ، وَبَطْنٍ عَنْ فَخِذَيْنِ وَفَخِذَيْنِ عَنْ سَاقَيْنِ، وَتَفْرِيقٍ بَيْنَ رُكْبَتَيْنِ، وَإِقَامَةِ قَدَمَيْنِ، وَجَعْلِ بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى أَرْضٍ) مُفَرَّقَةٍ فِي السُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالتَّشَهُّدِ عَلَى مَا سَبَقَ. (وَوَضْعِ يَدَيْنِ حَذْوَ مَنْكِبَيْنِ مَبْسُوطَتَيْنِ)، أَيْ: أَصَابِعِهِمَا حَالَ السُّجُودِ، (وَتَوْجِيهِ أَصَابِعِ) يَدَيْهِ (لِقِبْلَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَمُبَاشَرَةِ مُصَلٍّ بِأَعْضَاءِ سُجُودٍ) بِأَنْ لَا يَجْعَلَ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُصَلَّاهُ، (وَقِيَامٍ لِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْنِ)، وَكَذَا إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، (وَاعْتِمَادٍ) بِيَدَيْنِ (عَلَى رُكْبَتَيْنِ فِي قِيَامٍ) إلَّا إنْ شُقَّ، فَبِالْأَرْضِ. (وَافْتِرَاشٍ فِي جُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ، وَ) افْتِرَاشٍ (فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، وَتَوَرُّكٍ) بِتَشَهُّدٍ (ثَانٍ، وَوَضْعِ يَدٍ يُمْنَى عَلَى فَخِذٍ يُمْنَى، وَ) يَدٍ (يُسْرَى عَلَى) فَخِذٍ (يُسْرَى عَلَى صِفَةِ مَا مَرَّ)، أَيْ: مَبْسُوطَتَيْنِ، مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ، مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ، (فِيهِمَا)، أَيْ: بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهُّدٍ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَبْضُ خِنْصَرِ وَبِنَصْرِ الْيُمْنَى، وَتَحْلِيقُ إبْهَامِهَا مَعَ الْوُسْطَى، (وَإِشَارَةٍ بِسَبَّابَةٍ) عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، (وَإِشَارَةٍ بِوَجْهٍ لِقِبْلَةٍ فِي ابْتِدَاءِ سَلَامٍ، وَالْتِفَاتٍ يَمِينًا، فَشِمَالًا فِيهِ)، أَيْ: فِي السَّلَامِ، (وَتَفْضِيلِ يَمِينٍ عَلَى شِمَالٍ فِي الْتِفَاتٍ)، وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ، وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَسُنَّ خُشُوعٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}. (وَهُوَ)، أَيْ: الْخُشُوعُ: (حُضُورُ الْقَلْبِ، وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ) وَفِي الْإِقْنَاعِ: هُوَ مَعْنًى يَقُومُ فِي النَّفْسِ. يَظْهَرُ مِنْهُ سُكُونُ الْأَطْرَافِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْخُشُوعُ: الْخُضُوعُ، وَالْإِخْبَاتُ: الْخُشُوعُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، أَيْ: خَائِفُونَ مِنْ اللَّهِ، مُتَذَلِّلُونَ لَهُ، مُلْزِمُونَ أَبْصَارِهِمْ مَسَاجِدَهُمْ.

.(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ):

قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ سَهَا عَنْ الشَّيْءِ سَهْوًا: ذَهَلَ وَغَفَلَ قَلْبُهُ عَنْهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ، فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي: أَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ، بِخِلَافِ السَّاهِي انْتَهَى.
وَفِي النِّهَايَةِ: السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ: تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالسَّهْوُ عَنْ الشَّيْءِ تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ. انْتَهَى.
وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ، وَالسَّهْوِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّذِي ذُمَّ فَاعِلُهُ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ. وَلَا مِرْيَةَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: نَحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ، «سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَجَدَ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ، وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ». وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسُ، يَعْنِي: حَدِيثَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ بُحَيْنَةَ. (سَبَبُهُ)، أَيْ: السَّهْوِ: (زِيَادَةٌ) فِي الصَّلَاةِ، (أَوْ نَقْصٌ) مِنْهَا سَهْوًا، (أَوْ لَحْنٌ مُحِيلٌ) لِلْمَعْنَى، (أَوْ شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ)، أَيْ: فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، فَلَا يُشْرَعُ لِكُلِّ شَكٍّ وَلَا لِكُلِّ زِيَادَةٍ، أَوْ نَقْصٍ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ.
وَ(لَا) يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ (إذَا كَثُرَ) الشَّكُّ، (حَتَّى صَارَ كَوِسْوَاسٍ، فَيَطْرَحُهُ وَكَذَا) لَوْ كَثُرَ الشَّكُّ (فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ)، وَتَيَمُّمٍ، فَيَطْرَحُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُكَابَرَةِ، فَيُفْضِي إلَى زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا، فَوَجَبَ إطْرَاحُهُ، وَاللَّهْوُ عَنْهُ لِذَلِكَ. (وَهُوَ)، أَيْ: سُجُودُ السَّهْوِ (مَشْرُوعٌ بِنَفْلٍ وَفَرْضٍ)، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَلِأَنَّ النَّفَلَ صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَشْبَهَ الْفَرِيضَةَ. (سِوَى) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ)، فَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا، فَفِي جَبْرِهَا أَوْلَى.
(وَ) سِوَى (سُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَ) سُجُودِ (شُكْرٍ)، لِئَلَّا يَلْزَمُ زِيَادَةُ الْجَابِرِ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَ) سِوَى سُجُودِ (سَهْوٍ)، كَمَا لَوْ سَهَا فِي سَجْدَتَيْهِ. حَكَاهُ إِسْحَاقُ إجْمَاعًا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّسَلْسُلِ. وَكَذَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ، لَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ. (وَكَذَا) لَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِي (صَلَاةِ خَوْفٍ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. (وَهُوَ) أَيْ: سُجُودُ السَّهْوِ (إمَّا مُبَاحٌ، كَتَرْكِ سُنَّةٍ) قَوْلِيَّةٍ، كَاقْتِصَارِهِ عَلَى مَرَّةٍ فِي التَّسْبِيحِ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ كَالْهَيْئَاتِ، (أَوْ مَسْنُونٌ، كَإِتْيَانِ) مُصَلٍّ (بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، سَهْوًا كَقِرَاءَتِهِ سُورَةً فِي) الرَّكْعَتَيْنِ (الْأَخِيرَتَيْنِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ فِي ثَالِثَةِ مَغْرِبٍ، (أَوْ) قِرَاءَتِهِ (قَاعِدًا) أَوْ رَاكِعًا، (أَوْ سَاجِدًا، وَتَشَهُّدِهِ قَائِمًا) لِعُمُومِ: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَكَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ سُجُودٌ؛ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى». (أَوْ وَاجِبٌ فِيمَا إذَا زَادَ سَهْوًا فِعْلًا، وَإِنْ قَلَّ، مِنْ جِنْسِهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا) وَلَوْ قَدْرَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، فَيُسْجَدُ لَهُ وُجُوبًا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (أَوْ تَرَكَ وَاجِبًا) سَهْوًا (أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ) صَلَاتِهِ (أَوْ لَحَنَ) فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ (لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى سَهْوًا أَوْ جَهْلًا)؛ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، لِيَنْجَبِرَ النَّقْصُ. (أَوْ شَكَّ فِي زِيَادَةِ وَقْتِ فِعْلِهَا)، بِأَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَةِ: هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ أَوْ لَا؟ أَوْ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ هَلْ سُجُودُهُ زَائِدٍ أَوْ لَا؟ فَيَسْجُدُ لِذَلِكَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالشَّكِّ. (أَوْ) شَكَّ (فِي إدْرَاكِ رَكْعَةٍ) سَهْوًا، سَجَدَ وُجُوبًا. (أَوْ نَوَى الْقَصْرَ) حَيْثُ أُبِيحَ (فَأَتَمَّ سَهْوًا)، سَجَدَ لِلْإِتْمَامِ اسْتِحْبَابًا؛ لِحَدِيثِ «إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ (وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ)، أَيْ: بِمَا زَادَهُ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ سَهْوًا (مَسْبُوقٌ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ. وَلِهَذَا: لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْإِتْمَامَ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ أَيْضًا فَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ سِوَى مَا سَهَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَلْغُو (وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ)، وَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخِلُّ بِهَيْئَتِهَا (إلَّا فِي الْإِتْمَامِ)، أَيْ: إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَأَتَمَّ عَمْدًا. (وَيُكْرَهُ) لَهُ الْإِتْمَامُ، لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَبَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَلَا أَثَرَ لَهَا. (وَيُعْتَدُّ) بِالْإِتْمَامِ عَمْدًا (لِمَسْبُوقٍ)، بِخِلَافِ مَنْ أَتَمَّ سَهْوًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا)، أَيْ: فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (فِيمَا إذَا سَجَدَ)، عَمْدًا (لِتِلَاوَةٍ)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. (أَوْ سُبِقَ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ حَتَّى سَبَقَهُ إلَى رُكْنٍ فَأَقَلَّ، لَا بِرُكْنٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَتَابَعَ) مَسْبُوقٌ إمَامَهُ قَبْلَ انْسِلَاخِهِ عَنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ، وَلَحِقَهُ، وَلَوْ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِغَيْرِهِ؛ فَلَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ الِائْتِمَامِ. (أَوْ تَعَمَّدَ سَبْقَ إمَامِهِ) إلَى رُكْنٍ (ثُمَّ رَجَعَ) قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ إمَامُهُ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ (فَوَافَقَهُ) بِأَنْ أَتَى بِهِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَالسُّجُودُ لَا يُشْرَعُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَشَهُّدُهُ قَبْلَ سَجْدَتَيْ) رَكْعَةٍ (أَخِيرَةٍ) زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ (أَوْ بَعْدَ سَجْدَتَيْ) رَكْعَةٍ (أُولَى زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ) يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهَا، وَيُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْجُلُوسِ.
(وَ) تَشَهُّدُهُ (قَبْلَ سَجْدَةٍ ثَانِيَةٍ) زِيَادَةٌ (قَوْلِيَّةٌ)، يُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا سَهْوًا، وَلَا يُبْطِلُ عَمْدُهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْجُلُوسُ لَهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْجُلُوسِ. (وَمَنْ قَامَ لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٌ) سَهْوًا كَثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ، أَوْ رَابِعَةٍ فِي مَغْرِبٍ، أَوْ خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ (جَلَسَ) بِلَا تَكْبِيرٍ (مَتَى ذَكَرَ) أَنَّهَا زَائِدَةٌ وُجُوبًا؛ لِئَلَّا يُغَيِّرَ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ. (وَلَا يَتَشَهَّدُ إنْ) كَانَ (تَشَهَّدَ) قَبْلَ قِيَامِهِ؛ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ. وَإِنْ كَانَ تَشَهَّدَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ (وَسَلَّمَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ قِيَامِهِ، تَشَهَّدَ، وَسَجَدَ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؛ سَجَدَ لَهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا. قَالُوا: فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ». وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «وَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ بِطُرُقِهِ مُسْلِمٌ. (وَمَنْ نَوَى) صَلَاةَ (رَكْعَتَيْنِ) نَفْلًا (فَقَامَ لِثَالِثَةٍ نَهَارًا، فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (أَنْ يُتِمَّ أَرْبَعًا، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوٍ) لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ. وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَأَكْثَرَ رَجَعَ وَسَجَدَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِنْ نَوَى صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا، فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ (لَيْلًا، فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (أَنْ يَرْجِعَ)، وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ. (وَيَتَّجِهُ): وَهُوَ (الْأَصَحُّ وَ) يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ قَامَ سَهْوًا إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا (لَا تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِعَدَمِهِ)، أَيْ: الرُّجُوعِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَتَرْكُ فِعْلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَالثَّانِي: لَا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ خِلَافُ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ، غَيْرَ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَمَا بِمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَعَلَيْهِ: إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُنْتَهَى، وَغَيْرِهِ. وَلَيْلًا، فَكَقِيَامِهِ إلَى ثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَتَيْنِ لَيْلًا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا، قُلْتُ: هَذَا إذَا نَوَاهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَنْوِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لِمُجَاوَزَتِهِ زِيَادَةً غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ. وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ نَوَى عَدَدًا نَفْلًا، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ مُبْطِلًا لَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ)، أَيْ: مِثْلَ مَنْ قَامَ سَهْوًا إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا (نَاوٍ أَرْبَعَةً نَهَارًا، فَقَامَ) سَهْوًا (لِخَامِسَةٍ)، أَيْ: فَالْأَفْضَلُ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِعَدَمِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُهَا لِإِتْيَانِهِ بِزِيَادَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ. (وَمَنْ) سَهَا عَلَيْهِ (فَنَبَّهَهُ ثِقَتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ)، سَوَاءٌ شَارَكُوهُ فِي الْعِبَادَةِ بِأَنْ كَانُوا (مَأْمُومِينَ، أَوْ غَيْرَ مَأْمُومِينَ، وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُهُ) لِيَرْجِعَ لِلصَّوَابِ (لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) إلَى تَنْبِيهِهِمْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ نَبَّهَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ لِذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ. (وَلَوْ ظَنَّ) مُصَلٍّ (خَطَأَهُمَا) أَيْ: الْمُنَبِّهَيْنِ لَهُ، كَمَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الرُّجُوعُ إلَى شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ (وَكَمَا) لَوْ نَبَّهَهُ ثِقَتَانِ فَأَكْثَرُ (فِي طَوَافٍ)، بِأَنْ قَالَا لَهُ: طُفْتَ كَذَا، عَمِلَ بِقَوْلِهِمَا. (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ) الْمُصَلِّي (صَوَابَ نَفْسِهِ)، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ، كَالْحَاكِمِ إذَا عَلِمَ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ. (أَوْ) مَا لَمْ (يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مَنْ يُنَبِّهُهُ)، فَيَسْقُطُ قَوْلُهُمْ كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَ(لَا) يَلْزَمُ رُجُوعٌ (إلَى فِعْلِ مَأْمُومِينَ) مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ، وَقُعُودٍ بِلَا تَنْبِيهٍ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّنْبِيهِ بِتَسْبِيحِ الرِّجَالِ، وَتَصْفِيقِ النِّسَاءِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ الْإِمَامِ (لَوْ رَجَعَ لِفِعْلِهِمْ)، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ مِنْهُمْ، اسْتِئْنَاسًا بِفِعْلِهِمْ، وَتَقْوِيَةً لِظَنِّهِ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا صَلَّى بِقَوْمٍ تَحَرَّى وَنَظَرَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ، فَإِنْ قَامُوا تَحَرَّى، وَقَامَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَبَاهُ)، أَيْ: الرُّجُوعَ (إمَامٌ)، وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَ(قَامَ لِ) رَكْعَةٍ (زَائِدَةٍ)، مَثَلًا (وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، (كـَ) صَلَاةِ (مُتَّبِعِهِ)، أَيْ: مَأْمُومٍ تَابَعَهُ فِي الزَّائِدَةِ (عَالِمًا) بِزِيَادَتِهَا (ذَاكِرًا) لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، لَمْ يَجُزْ اتِّبَاعُهُ فِيهَا. وَإِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ. وَأَنَّ مَا قَامَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَبِعَهُ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ فَارَقَهُ؛ صَحَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَابَعُوا فِي الْخَامِسَةِ لِتَوَهُّمِ النَّسْخِ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: إنْ كَانَ عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَحِينَئِذٍ لَا مُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بَطَلَتْ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَلَا يَعْتَدُّ)، أَيْ: لَا يَحْسِبُ (بِهَا) أَيْ: بِالرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ (مَسْبُوقٌ) دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا، أَوْ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يَعْتَدُّ بِهَا الْإِمَامُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْحَالِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِلْمَأْمُومِ (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ)، أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ الْقَائِمِ لِزَائِدَةٍ (فِيهَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ)، لِأَنَّهَا سَهْوٌ، وَغَلَطٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَعَهُ فِيهَا مَسْبُوقٌ يَجْهَلُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ مَتَى عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي. (وَيُسَلِّمُ) مَأْمُومٌ (مُفَارِقٌ) لِإِمَامِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ لِزَائِدَةٍ، وَتَنْبِيهِهِ، وَإِبَائِهِ الرُّجُوعَ إذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ. (وَلَا تَبْطُلُ) صَلَاةُ إمَامٍ (إنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ لِجُبْرَانِ نَقْصٍ)، كَمَا لَوْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ، وَنَحْوِهِ، وَنَبَّهُوهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ، وَلَمْ يَرْجِعْ (وَمَنْ نَبَّهَهُ ثِقَةٌ لَمْ يَرْجِعْ لِقَوْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ» (إلَّا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَيَعْمَلُ بـِ) غَلَبَةِ (ظَنِّهِ، لَا بِتَنْبِيهِهِ) وَالْمَرْأَةُ الْمُنَبِّهَةُ كَالرَّجُلِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَنْبِيهِهَا فَائِدَةٌ، وَلَمَا كُرِهَ تَنْبِيهُهَا بِالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِهِ، وَفِي الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَمَنْ نَهَضَ عَنْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ مَعَ) تَرْكِ (جُلُوسٍ لَهُ، أَوْ) تَرْكِ التَّشَهُّدِ (دُونَهُ)، أَيْ: الْجُلُوسِ، بِأَنْ جَلَسَ وَنَهَضَ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ (نَاسِيًا) لِمَا تَرَكَهُ (لَزِمَ رُجُوعُهُ) إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِيمَ قَائِمًا لِيَتَدَارَكَ الْوَاجِبَ، وَيُتَابِعَهُ مَأْمُومٌ، وَلَوْ اعْتَدَلَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ، وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (إنْ) ذَكَرَ ذَلِكَ حَالَ نُهُوضِهِ، وَ(لَمْ يَرْجِعْ)، لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ الْجُلُوسِ الْوَاجِبِ فِي مَحَلِّهِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ إذَا مَضَى فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الرُّجُوعُ، أَوْ رَجَعَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْمُضِيُّ، عَالِمًا ذَاكِرًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقَدْ جَزَمُوا بِوُجُوبِ رُجُوعِهِ إذَا نَهَضَ تَارِكًا لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، نَاسِيًا إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَعَلِمَ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَرْجِعْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ جَزْمًا، فَمَا بَقِيَ لِلْبَحْثِ مَدْخَلٌ، فَضْلًا عَنْ الِاحْتِمَالِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لَهُ تَشْحِيذًا لِلْأَذْهَانِ، فَيَكُونُ مُتَّجِهًا. (وَكُرِهَ) رُجُوعُهُ (إنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، فَلَا يَجْلِسْ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ: الْكَرَاهَةُ. وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ لِتَرْكِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ، لَا إلَى بَدَلٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (وَحَرُمَ) رُجُوعُهُ (إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ)؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَهُوَ: الْقِرَاءَةُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ. (وَبَطَلَتْ) صَلَاتُهُ إنْ رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ (وَيَتَّجِهُ: لَا) تَبْطُلُ (صَلَاةُ مَأْمُومٍ فَارَقَ) إمَامَهُ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْلٍ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَّحَ لِإِمَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ، فَلَمْ يَرْجِعْ، تَشَهَّدَ لِنَفْسِهِ وَتَبِعَهُ.
وَ(لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِرُجُوعِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ (إنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ) تَحْرِيمَ رُجُوعِهِ؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ». وَمَتَى عَلِمَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ، نَهَضَ وَلَمْ يُتِمَّهُ. (وَحَيْثُ رَجَعَ) الْإِمَامُ (قَبْلَ شُرُوعٍ) فِي الْقِرَاءَةِ (لَزِمَ مَأْمُومًا مُتَابَعَتُهُ)، كَمَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي قِيَامِهِ نَاسِيًا؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. وَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ التَّشَهُّدِ، قَامَ النَّاسُ مَعَهُ»، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إنْ سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ (وَلَوْ) كَانَ رُجُوعُ الْإِمَامِ (بَعْدَ شُرُوعِهِ)، أَيْ: الْمَأْمُومِ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ إذَنْ، لَا إنْ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَلَا يُتَابَعُ لِخَطَئِهِ. (وَكَذَا) أَيْ: كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ نَاسِيًا (كُلَّ وَاجِبٍ) تَرَكَهُ مُصَلٍّ نَاسِيًا (فَيَرْجِعُ لِتَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَ) تَسْبِيحِ (سُجُودٍ قَبْلَ اعْتِدَالٍ) عَنْ رُكُوعٍ، (وَ) قَبْلَ (جُلُوسٍ) مِنْ سُجُودٍ. وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ حَيْثُ جَازَ وَهُوَ إمَامٌ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ)، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا وَ(لَا) يَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِهِمَا (بَعْدَهُ)، أَيْ: الِاعْتِدَالِ أَوْ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّسْبِيحِ رُكْنٌ وَقَعَ مُجْزِئًا صَحِيحًا، وَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ لَكَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ، وَتَكْرَارًا لِلرُّكْنِ. (فَإِنْ رَجَعَ) بَعْدَ اعْتِدَالٍ، أَوْ جُلُوسٍ (عَالِمًا، عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ.
وَ(لَا) تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا)؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَعَلَيْهِ السُّجُودُ) لِلسَّهْوِ (لِلْكُلِّ) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. (وَمَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا)، أَيْ: صَلَاتِهِ (عَمْدًا؛ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَالْبَاقِي مِنْهَا إمَّا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَكِلَاهُمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ تَعَمُّدًا. وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا (سَهْوًا)، لَمْ تَبْطُلْ بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي (أَوْ) سَلَّمَ (ظَنَّ أَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ) صَلَاتُهُ؛ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، وَلِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا، أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا. (ثُمَّ) إنْ (ذَكَرَ قَرِيبًا) عُرْفًا أَتَمَّهَا (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَسْجِدٍ)، فَيُتِمُّهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ- قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ لَكِنْ نَسِيتُ أَنَا- فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تَقْصُرْ. فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، فَيَقُولُ: أُنْبِئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَوْ انْحَرَفَ عَنْ قِبْلَةٍ)، أَيْ: فَيَنْفَتِلُ وَيُتِمُّهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي حَوَاشِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْإِقْنَاعِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ، (أَوْ) لَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا حَتَّى (شَرَعَ فِي) صَلَاةٍ (أُخْرَى، فَيَقْطَعُهَا) مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ (وَيُتِمُّ الْأُولَى) لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) وُجُوبًا. (وَيَتَّجِهُ): إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَيَعُودَ إلَى الْأُولَى لِيُتِمَّهَا؛ (إنْ كَانَ صَلَّى الْأُخْرَى بِدُونِ إقَامَةٍ)؛ إذْ الْإِقَامَةُ تُبْطِلُ صَلَاتَهُ بِقَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءُ آدَمِيٍّ.
(وَ) كَذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاتَهُ (تَلَفُّظٌ) بِكُلِّ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، حَتَّى تَلَفُّظُهُ (بِ: نَوَيْتُ)، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ بِدُونِ إقَامَةٍ وَلَا تَلَفُّظٍ بِنِيَّةٍ، وَلَا غَيْرِهَا، فَيَعُودُ إلَى الْأُولَى وَيُتِمُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لَهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَعَلَى مَنْ) سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا، ثُمَّ (ذَكَرَ بَعْدَ قِيَامٍ) مِنْ مُصَلَّاهُ؛ (أَنْ يَجْلِسَ لِيَنْهَضَ) عَنْ جُلُوسٍ (لِلْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ (مَعَ نِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لَهَا. وَإِنْ كَانَ سَلَامُهُ قَبْلَ إتْمَامِهَا (ظَانًّا) أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ انْقَضَتْ، فَيَعُودُ وَيُتِمُّهَا إذَا ذَكَرَ قَرِيبًا عُرْفًا. (وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ)، كَظُهْرٍ (ظَنَّهَا نَحْوَ فَجْرٍ)، كَجُمُعَةٍ، وَتَرَاوِيحَ؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِتَرْكِهِ اسْتِصْحَابَ حُكْمِ النِّيَّةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ (أَوْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا)؛ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ؛ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ مَعَهُ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَالْمُقَارَبَةُ كَمِثْلِ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، إذْ لَمْ يَرِدْ بِتَحْدِيدِهِ نَصٌّ (أَوْ أَحْدَثَ) بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ فَاتَ. (أَوْ تَكَلَّمَ) مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ طَائِعًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا (وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ) بِهَا عَمْدًا (أَوْ سَهْوًا)، فِي صُلْبِهَا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا، لِتَحْذِيرِ نَحْوِ ضَرِيرٍ، أَوْ لَا؛ بَطَلَتْ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْمَجْدُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ لِحَدِيثِ: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ تَكَلَّمَ يَسِيرًا لِمَصْلَحَتِهَا؛ لَمْ تَبْطُلْ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (أَوْ ضَحِكَ) فِي صُلْبِهَا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا، وَكَانَ ضَحِكُهُ (قَهْقَهَةً؛ بَطَلَتْ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَلَوْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ. وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِيهَا مَا يُنَافِيهَا، أَشْبَهَ خِطَابَ الْآدَمِيِّ. وَلَا تَبْطُلُ (إنْ نَامَ) يَسِيرًا قَائِمًا، أَوْ جَالِسًا (فَتَكَلَّمَ أَوْ سَبَقَ) الْكَلَامُ (عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ) لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَأَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ النَّائِمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ. (وَكَكَلَامٍ) فِي الْحُكْمِ: (إنْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ)، فَبَانَ حَرْفَانِ (أَوْ نَفَخَ فَبَانَ حَرْفَانِ)؛ فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا، وَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. فَإِنْ كَانَتْ النَّحْنَحَةُ لِحَاجَةٍ؛ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كُنْتُ آتِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَيَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ لِأَعْلَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي.
وَ(لَا) تَبْطُلُ (إنْ انْتَحَبَ) مُصَلٍّ (خَشْيَةً) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وُسْعِهِ. (أَوْ غَلَبَهُ نَحْوُ سُعَالٍ)، كَبُكَاءٍ. (أَوْ عُطَاسٍ، أَوْ تَثَاؤُبٍ)، وَلَوْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَنْ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ. وَقَالَ مُهَنَّا: صَلَّيْتَ إلَى جَنْبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَتَثَاءَبَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَسَمِعْتُ لِتَثَاؤُبِهِ: هَاهْ، هَاهْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ. تَقُولُ: تَثَاءَبْتُ عَلَى تَفَاعَلْتُ، وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْتُ. قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَيُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ بُكَاءٍ، كَضَحِكٍ؛ لِئَلَّا يَظْهَرَ حَرْفَانِ، فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ.
تَتِمَّةٌ:
عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْطِلَ لِلصَّلَاةِ مَا انْتَظَمَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ يُكَوِّنَانِ كَلِمَةً: كَأَبٍ، وَأَخٍ، وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ، لَا تَنْتَظِمُ كَلِمَةً فِي أَقَلَّ مِنْ حَرْفَيْنِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ: قَ، وَ: عَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَاعَى الْمَحْذُوفُ كَالثَّابِتِ، وَيُجِيبُ مُصَلٍّ وَالِدَيْهِ فِي نَفْلٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ زَوْجَةٍ مِنْ نَفْلٍ لِحَقِّ زَوْجِهَا.